حذرت الصين من حرب تجارية مع أميركا وضرر يلحق خطة أوباما لخلق وظائف جديدة إذا تم إقرار قانون بالكونغرس يراد به الضغط على بكين لرفع قيمة عملتها اليوان، وذلك قبل يوم من التصويت النهائي بمجلس الشيوخ على مشروع قانون يفرض رسوما جمركية على صادرات دول تخفض قيمة عملتها. وقال تسوي تيان كاي نائب وزير الخارجية الصيني اليوم في تصريحات صحفية إن المشروع لا يمثل حقيقة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، بل ربما يكون له تأثير عكسي على تطوير هذه العلاقات. وأضاف تسوي أن تمرير القانون سيؤدي إلى وضع يخسر فيه الطرفان، ويضر أيضا بنمو اقتصاد أميركا وسوق الشغل فيها. وكان البنك المركزي ووزارتا التجارة والخارجية في الصين قد حذروا الأسبوع الماضي من أن مشروع القانون سيؤدي إلى حرب تجارية بين أول وثاني أكبر الاقتصادات في العالم. وعبر البيت الأبيض الأربعاء الماضي عن مخاوفه من أن يكون فرض رسوم جمركية على صادرات دول تتعمد خفض قيمة عملتها خرقا لقوانين التجارة العالمية. ![]()
ويقول اقتصاديون إن بكين تبقي اليوان في مستوى منخفض يقدر بما بين 25 و40% أقل من قيمته الحقيقية، لتمنح صادراتها ميزة تنافسية في الأسواق العالمية، بحيث تصبح كلفة التصدير منخفضة من الصين إلى باقي الأسواق وعلى رأسها أميركا. غير أن بكين أكدت غير مرة أنها تنفذ إصلاحا تدريجيا لعملتها، حيث ارتفع اليوان بنسبة 30% مقابل الدولار منذ العام 2005. وقد تكبدت واشنطن عجزا في ميزانها التجاري مع الصين بقيمة 273 مليار دولار عام 2010، ويوصف طرح قانون لفرض رسوم جمركية على صادرات الصين بأنه فشل للإدارة الأميركية الحالية والسابقة في إقناع بكين عبر الطرق الدبلوماسية برفع قيمتها. ويقدر العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ ليندسي غراهام أن أميركا فقدت قرابة مليوني وظيفة في الصناعات التحويلية خلال العقد الماضي جراء الميزة التنافسية للصادرات الصينية المرتبطة بتخفيض قيمة اليوان. |
الاثنين، 10 أكتوبر 2011
الكونغرس يناقش فرض رسوم على الصين بكين تحذر واشنطن من حرب تجارية
ثلاثة محاور لانتصار الثورة السورية
![]() |
منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس/آذار الماضي لم تصل إلى تحقيق موقع إستراتيجي متقدم من إمكانية تحقيق الانتصار كما هي في الأسابيع الأخيرة وبالضبط من أواخر رمضان وليالي العيد التي كانت قُدّاسا لرسالة صناعة الثورات عبر مداد الدماء وتضحيات الثوّار وذلك في مشهدها المُذهل لعقيدة الفداء وصولا إلى إعلان المجلس الوطن الانتقالي. وقبله نقل تحرك الضباط المنشقين إلى مرحلة تأسيس فعلي لجيش مركزي بمعارك واقعية نفذها لحماية المدنيين عبر جسمه المستقل عن الثورة السلمية, وهو ما جعل من إعلان قيام الجيش السوري الحر أحد محاور القضية السورية الرئيسية في أنظار العالم. ويؤكد الزحف الإستراتيجي الذي تحققه الثورة السورية فعليا على الأرض ميدانيا ولوجستيا وسياسيا, وهو ما لم يبرز لدى البعض بحكم وحشية القمع الذي مارسه النظام في دمشق وتغطية طهران له, لكنه في القراءة التحليلية الاعتبارية حراك منتظم في تقدمه وقربه من النصر. وسنعرض هنا لهذه المحاور الثلاثة التي تكاملت في الثورة السورية ودورها المستقبلي في تحقيق التكامل المطلوب لوصول الثورة السورية مرحلة التحرير وإقامة نظام بديل في دمشق ينتمي للشعب العربي فيها.
1- كان أبرز رسالة وأقواها وأكثرها على الإطلاق في التأثير هو ذلك الإعلان الشعبي الشامل في الداخل الذي عبّرت عنه المظاهرات الليلية مساء إعلان المجلس الوطني تشكيله وخطته الجديدة, فهذه المباركة الشعبية للمظاهرات في العديد من المدن وبرامج الحراك أعطت قوة زخم كبيرة للمجلس الوطني السوري . 2- قوة تمثيل هيئات الثورة السورية في الداخل: اتحاد التنسيقيات والمجلس الأعلى للثورة والهيئة العامة للثوار وجماعات أخرى أُعلن عن مشاركتها وأعلنت هي من الداخل ذلك ودعمها للمجلس الوطني. 3- توحّد مساري الدوحة وإسطنبول وتحوّل مسار الدوحة إلى داعم للتشكيل من خلال تصريحات قيادات فيه ودعوة د. عزمي بشارة -إحدى الشخصيات المهتمة بحوار الدوحة- المترددين من الحركة العلمانية الفكرية المؤيدة للثورة والمتحفظة على التشكيل إلى المشاركة بالمجلس وتأكيد د. عزمي بشارة على أنّ مؤتمر الدوحة ساهم إيجابيا في تهيئة الأجواء لإعلان إسطنبول وهو ما عزز الرسالة الإيجابية لمستقبل المجلس وكان إعلان مانديلا العرب المناضل السوري المعروف رياض الترك تأييده للمجلس رسالة إضافية أخرى لحجم الوحدة الوطنية القوية للمجلس. 4- وجود تمثيل نوعي مقبول للإسلاميين والليبراليين والقوميين وغيرهم وكذلك المسيحيين والطوائف ومشاركة كردية مع امتناع بعض كتلها, وكان تأكيد د. برهان غليون والقيادة الإدارية للمجلس على أنّ المجلس ليس مُغلقاً وأن حلقات الحوار مستمرة مع الأطراف المتحفظة كافيا لإعطاء بعد جيد لعلاقات المجلس مع بعض الأطراف المترددة. 5- وضوح بيان المجلس وخطوط عمله وتنظيمه للتصور الجديد لبرنامج العمل التنفيذي للمرحلة القادمة التي من الطبيعي سترتكز على الضغط على الخارج للقيام بواجباته ومسؤولياته تجاه محرقة سوريا, وكانت بارزة لغة الفصل بين رفض التدخل العسكري الأجنبي وبين مسؤولية الحماية الدولية للشعب السوري من خلال مراقبين مدنيين وسلة قرارات للعقوبات وتحييد القمع العسكري كمدخل مهم لتحديد مسار حراك المجلس للضغط على النظام وفق تصور واضح. هذه الخلاصة المركزية عن تشكّل المجلس فتحت الباب بصورة كبيرة لتمثيله الدولي وحصار النظام, وليس بالضرورة أن يكون التمثيل كبديل حالياً عن النظام لكنه سيأخذ مداه عربيا وتركيا ودوليا ويقطع الأعذار التي يعلنها البعض كمانع له من الدعم والتواصل لعدم وجود محور توافقي للثورة السورية في الخارج وهو ما تحقق الآن وسيأخذ مداه ليس بالضرورة الفورية المتوقعة من البعض لكن في حيوية أكبر بكثير من الوضعية السابقة. ![]()
1- تواتر وتكثّف حركة الانشقاق وتحولها إلى زحف مستمر للخروج من جيش يمثل النظام ويُشرّع عبادته والسجود لرمزه ويتلذذ بقتل شعبه في الوقت الذي يعتمد فيه حماية أمن إسرائيل ومصالح إيران في حين يقابله جيش وطني ابتدأ أول خطوات تاريخه التأسيسية بتقديم جماعات من مجنديه وضباطه كشهداء لحماية المدنيين وتخليص الفتيات بعد تعرض بعضهن للاغتصاب وتأمين فك الحصار عن الأحياء والمدنيين بل وحماية بعض التظاهرات المدنية للحرية, وهي رمزية تأسيس ذات بعد مؤثر لدى الشعب السوري بعد أن واجه تشكيلات عسكرية موالية للنظام تهدم بيته وتنتهك عرضه وتقتل طفله. 2- هذه الصورة المشرقة لشخصية جندي وضابط الجيش السوري الحر ساهمت وستساهم أكثر في حركة الانضمام المستقبلية من قطاعات النظام العسكرية إلى التشكيل الذي أخذ وضعه الآن كجيش وطني سوري يجعل ميثاقه الدستوري الحفاظ على إنسان الوطن والحفاظ على حدوده في مقابل العسكري الآخر الذي أمّن حدود العدو وذبح مواطنه في الداخل. 3- وهذا الارتفاع السريع في عدد الجيش الوطني الحر والمتزايد أضحى يؤهله للقيام بالخطة رقم (2) بعد المساهمة في تأمين ما استطاع إليه سبيلا من أرواح المدنيين وممتلكاتهم, وهي تأمين تموضعه في الحدود التركية وتوزيع فيالقه للاستعداد للخطة الإستراتيجية التي تقتضي تأمين الدعم للثورة المدنية في ساعة الحسم المركزي ومقدمات انتقال السلطة إلى الخيار الشعبي الحر. إذا هذا التكامل الجديد في صفوف الجيش الوطني السوري الحر جاء متزامنا مع استكمال الإعلان الميثاقي للمجلس الوطني ليكون بالفعل أحد المحاور الرئيسية لخطة انتصار الثورة. المحور الثالث: الطليعة الفدائية الصلبةبات واضحاً لكل مراقب أن كل مدارات الاحتواء الضخمة للنظام والدعم الإيراني وحزبه في لبنان والموقف الروسي والصيني وبعض الأطراف الخليجية قد سقطت في كل جولاتها السابقة عبر قوة الإرادة الشعبية ذات الإيمان الروحي الصلب وحركة الفداء الاستشهادي لكل شرائح الشعب التي أضحت تغذي كل يوم بغدٍ أكبر إصراراً مما قبله, كُلما توسع النظام في جرائمه. ولقد كان تزامن ذكرى استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة مع مذبحة الرستن السورية وتنفيذ الجهاز العسكري للنظام عملية إعدام لأكثر من 15 طفلا من أطفالها لوحة تعطي بعدين مزدوجين مهمين الأول: أنّ حجم الإجرام الذي يبلغ هذا المدى لا يمكن أن يستقر مع شعبه والبعد الثاني أنّ هزيمة النظام بعد وحشية مجزرة الرستن وخروج درعا البلد وحماة تضامناً معها تؤكد أنّ الوضع الأسطوري الفدائي للشعب السوري أضحى إكسير حياة لا يملك أحد أن يوقفه وهو تحت الرعاية السماوية ويزحف فقط وبلا تردد أو تململ لتحقيق إسقاط النظام.
هنا تبرز دلالات عنواننا الرئيسي للمقالة وهي أن هذا المحور الشعبي الذي تحمّل وحيدا منعزلا مسؤولية زلزلة النظام أضحى له محورين مساندين ينتظر العالم ويرجّح المراقب أنّ الجانب التركي والعربي والدولي سيتعاطون مع الثورة عبره ببعد جديد بعد أن تبين لهم أنّ حركة التاريخ لن تعود ولن يؤجّل قرار الشعب السوري في إسقاط النظام وبالتالي سيتعامل المشهد مع هذا التقدم الجديد مختاراً ومضطراً. وهنا تقفز مسؤولية تاريخية على نخب وقواعد الرأي العام العربي بأن تتحول إلى قوى ضغط على حكوماتها للاعتراف والدعم لهذه المحاور الثلاثة أو أحدها, وتركيز الجهد الشعبي العربي على تركيا لفتح كامل الحدود للدعم اللوجستي الشامل, وهو المطلب الرئيسي لهذه المرحلة وهو السؤال الذي عليهم أن يجيبوا عليه قبل سؤالهم المستمر للثوّار عن خطتهم. ما خطتكم أنتم أيها العرب رسمياً وشعبيا لدعم خطة الانتصار النهائي لإنقاذ الشام؟ |
مصر الثورة والتوجه نحو إفريقيا
من المعروف أن مصر لم تكن إلا دولة إفريقية قبل أن تكون عربية الانتماء واللسان. وعليه فإن الارتباط بإفريقيا هو ارتباط تكويني وأصيل بحيث أنه أصبح أحد المكونات المحورية للشخصية المصرية. وإذا كانت مصر تتمتع بمسحة من عبقرية في المكان فإن ذلك قد دفعها منذ القدم إلى أن تتجاوز حدود ومعطيات الجغرافيا لترتبط بجوارها الإقليمي ومجالها الحيوي. وتشير الوثائق والنقوش التي عثر عليها في معبد الدير البحري إلى ارتباط مصر الفرعونية ببلاد بونت التي تقع في الصومال الحالي ومنطقة حوض النيل، وهو الأمر الذي يوضح أن منطقة منابع النيل مثلها في ذلك مثل طرق الملاحة الدولية في المحيط الهندي والبحر الأحمر تعد من أهم المناطق التي تتصل بالمصالح الأمنية والإستراتيجية لمصر من ناحية الجنوب. وقد كانت المبادئ الحاكمة لتوجهات الدولة المصرية والتي تضبط حركتها الخارجية تستند على طبيعة هذه الخصائص الجيوستراتيجية المرتبطة بموقع مصر ومكانتها الإقليمية والدولية. فالمخاطر والتهديدات القادمة من جهة الشمال الشرقي كانت تستهدف دوماً أمن النظام الحاكم في مصر، أما المخاطر والتهديدات القادمة من الجنوب فإنها استهدفت أمن واستقرار المجتمع، بل إنها ارتبطت بأسباب وجوده واستمراره. وإذا كانت مصر الناصرية قد أكدت على هذا التوجه العام من خلال جعل إفريقيا إحدى دوائر ثلاث مع العربية والإسلامية تحكم سياستها الخارجية فإن التوجه الإفريقي سرعان ما عانى من تقلبات السياسة وتحولات الأيديولوجية على مدى العقود الأربعة الماضية. ولا يخفى أن عزلة مصر وعزوفها عن القيام بدور فاعل في إفريقيا قد ازدادت في ظل حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. إذ كانت السمة الأبرز للسياسة المصرية في عهده هي السكون وعدم الميل إلى تغيير الوضع القائم مع الحرص على عدم إثارة غضب كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. وتذكر بعض الروايات الموثقة أن الرئيس السوداني عمر البشير بعد تطبيعه العلاقات مع مصر وقيامه بزيارة القاهرة عام 2004 عرض على الرئيس السابق مبارك القيام بزراعة القمح في السودان إلا أن الأخير اعتذر بشيء من الاستهزاء قائلاً: "إنه لا يريد أن يغضب الأمريكان". إن ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الاستبداد في مصر قد أحدثت تحولات فارقة في كيفية رؤية مصر لذاتها وللآخرين وهو ما يعني عودة الروح للدور الإقليمي الفاعل لمصر ولاسيما في محيطها الإفريقي. فهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحطيم الصور النمطية السائدة عن مصر في إفريقيا؟ وكيف يتثنى لمصر الثورة أن تدافع عن أمنها المائي؟ وما العمل لمواجهة تحديات تبني سياسة إفريقية جديدة لمصر في مرحلة ما بعد الثورة؟
ويمكن تحديد بعض مكونات الصورة المصرية الجديدة في محيطها الإفريقي والتي أكدت على إحداث قطيعة مع النظام القديم في العناصر الآتية:
وفي مقابل هذا الحراك المصري وتوجهه جنوباً نحو إفريقيا نجد أن أحداث الثورة المصرية ولا سيما في رمزيتها التي عبر عنها "ميدان التحرير" قد ألهمت العديد من الكتاب والساسة الأفارقة الذين حرصوا على زيارة القاهرة للتعرف على حقيقة ما يدور. ولعل ما كتبه المفكر الأوغندي الأبرز محمود ممداني بعنوان "تأملات إفريقية حول ميدان التحرير" يعبر عن أهمية الدرس المصري لإفريقيا. فقد رأى ممداني في "التحرير" قوة توحيد وإدماج تتجاوز الانقسامات الطبقية والعرقية والدينية. ولم يقتصر الهام الثورة المصرية على فئة الكتاب والمثقفين الأفارقة وإنما شملت الشباب الطامحين في الإصلاح والتغيير بشكل عام. ففي زيمبابوي التي ترزح تحت حكم روبرت موجابي منذ عام 1980 تم إلقاء القبض على مجموعة من الشباب الناشطين سياسياً أثناء مشاهدتهم لشرائط فيديو عن الثورة المصرية وذلك بتهمة الخيانة ومحاولة قلب نظام الحكم. ![]() يبدو أن أخطر التحديات التي تواجه مصر بعد رحيل مبارك تتمثل في أمنها المائي حيث قررت دولة بوروندي في فبراير 2011/شباط التوقيع على اتفاق التعاون الإطاري لدول حوض النيل والذي يتم التفاوض بشأنه منذ عام 1999. وإذا علمنا أن خمسا من دول أعالي النيل الأخرى وهي كينيا وأثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا كانت قد وقعت من قبل على هذا الاتفاق في مدينة عنتيبي الأوغندية فإن معنى ذلك اكتمال النصاب القانوني له لكي يصبح نافذاً. وإذا كانت أثيوبيا قد عمدت على استحياء إلى تجميد عملية التصديق على اتفاقية عنتيبي كبادرة حسن نية تجاه الثورة المصرية وإلى حين وجود حكومة منتخبة في مصر فإن ذلك لا يعني نهاية المطاف أو إغلاق ملف الإطار القانوني الحاكم لتوزيع واستغلال موارد مياه نهر النيل بين كافة الدول النهرية. وقد قامت حكومة الثورة في مصر بمحاولات مستمرة لتجاوز أخطاء الماضي في التعامل مع ملف مياه النيل ومن ذلك:
ولعل التساؤل المطروح اليوم يتمثل في البدائل المتاحة أمام مصر في مرحلة ما بعد مبارك لتأمين مياه النيل. يمكن تصور بدائل ثلاثة يشكل كل منها سيناريو محتمل الوقوع بدرجة أو بأخرى. يذهب أول هذه البدائل إلى اللجوء إلى اختيار القوة المسلحة في مواجهة السدود الأثيوبية وهو ما يعني الدخول في حرب مفتوحة مع أثيوبيا بسبب المياه. على أن هذا الاحتمال غير واقعي بسبب المعطيات السائدة في مصر بعد الثورة نظراً لأنه يتطلب المزيد من الموارد ويفقد مصر مكانتها الأخلاقية في المجتمع الدولي. أما البديل الثاني فيذهب إلى إقامة تحالف مصري مع دول النيل الأبيض وهي أوغندة ودولتي السودان وذلك في مواجهة الهيمنة الأثيوبية على النيل الأزرق. غير أن تأثيرات هذا الخيار المصري تفضي إلى حالة من الحرب الباردة بين كل من مصر وأثيوبيا بما يعنيه ذلك من تقويض لدعائم الأمن والاستقرار الإقليمي في المنطقة. ولعل البديل الثالث يشير إلى التعاون المصري الأثيوبي حيث أن مصر أكثر تقدماً من أثيوبيا وتتمتع بتنوع مصادر اقتصادها الوطني. أما أثيوبيا فلديها إمكانيات هائلة لتخزين المياه من النيل الأزرق وهو ما يعني تعظيم استفادة مصر من هذه المياه. وبمقدور هذا التعاون أن يسهم في سيادة نمط من الشفافية وتبادل المعلومات بين صانعي القرار في كل من مصر وأثيوبيا. ومع ذلك يظل التحدي الأكبر الذي يواجه السياسة المائية لمصر متمثلاً في الموقف النهائي من اتفاق عنتبي الخاص بمياه النيل. فهل يمكن أن تضحي مصر بحقوقها التاريخية المكتسبة في مياه النيل مقابل تعزيز التعاون الإقليمي بين دول حوض النيل؟ باعتقادي أن الإجابة على ذلك تحتاج إلى حدوث توافق بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية في مصر بعد الثورة. ![]() على الرغم من المؤشرات الايجابية التي ارتبطت بالتحرك المصري الجديد تجاه إفريقيا ودول حوض النيل بشكل خاص فإن عملية إعادة بناء الدور الاستراتيجي لمصر في إفريقيا تحتاج إلى مزيد من الوعي والإرادة السياسية وفترة زمنية ليست بالقصيرة، ويمكن تصور عدد من المداخل التصحيحية لإعادة الاعتبار للوجه الإفريقي المصري ومن ذلك:
الخاتمة إن على مصر الثورة أن تؤسس لمرحلة جديدة تعتمد من الناحية الإستراتيجية على التوجه جنوباً نحو إفريقيا. ويمكن في هذا السياق التمييز بين دوائر فرعية أربعة للحركة المصرية. أولها تشمل السودان بدولتيه وهو ما يعني إعادة طرح مشروع التعاون الاستراتيجي بين مصر والسودان من منظور جديد لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية المشتركة. أما الدائرة الفرعية الثانية فإنها تشمل دول منظومة حوض النيل بما يعني ضرورة تحقيق التعاون المشترك لضمان مصالح مصر المائية. وتشمل الدائرة الثالثة الفرعية الكتلة الإسلامية الضخمة في غرب إفريقيا حيث تمتلك مصر رصيداً تاريخياً وثقافياً رصيناً مع دول هذه المجموعة، وهو ما يعني إمكانية الاستفادة منه لتحقيق آفاق جديدة للتعاون المشترك. ومن جهة أخرى لا يمكن تجاهل وجود قوى إقليمية صاعدة في إفريقيا مثل أثيوبيا وغانا ونيجيريا وجنوب إفريقيا وهو ما يشكل دائرة فرعية رابعة للحركة المصرية تجاه إفريقيا. ويمكن لمصر الجديدة أن تعتمد في تنفيذ هذا التوجه الجنوبي على أدوات قوتها الناعمة المتعددة، فهي تملك قدرات وخبرات بشرية هائلة، كما أن مؤسساتها التعليمية والدينية مثل الأزهر الشريف والكنيسة القبطية يمكن لها أن تكون عوناً وسنداً على تحقيق هذه الرؤية الإستراتيجية الجديدة تجاه إفريقيا. بيد أن ذلك كله يقتضي ضرورة تغيير المناهج والسياسات السائدة التي ثبت فشلها، فضلاً عن أهمية إعادة تأهيل العناصر والكوادر البشرية اللازمة لقيادة التوجه المصري الجديد صوب إفريقيا. هذا هو التحدي! _______________ أستاذ العلوم السياسية بجامعتى القاهرة وزايد ومتخصص في الشأن الإفريقي. المراجع: 1. Mahmood Mamdani ,An African reflection on Tahrir Square, a keynote speech at the Annual Research Conference on ‘Social justice: theory, research and practice’, at the American University of Cairo, Cairo, 5 May 2011. 2. Korwa Adar and Nicasius Check(eds.), Cooperation Diplomacy, Regional Stability and National Interests: The Nile River and Riparian States., Pretoria: Africa Institute of South Africa, 2011. 3. Keffyalew Gebremedhin, What should Ethiopians expect from Meles's two-day visit to Cairo? September 16th, 2011. At: http://www.abugidainfo.com/?p=18838. 4. أيمن محمد عبدالقادر، نحو إستراتيجية إعلامية مصرية سودانية لإدارة الأزمات الإفريقية، ورقة مقدمة لمؤتمر العلاقات المصرية السودانية عبر العصور،جامعة القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية،18-19 مايو 2009. ص 10. 5. محمد نظمى الزياتى، الدبلوماسية الشعبية ودورها في إعادة إحياء دور مصر التاريخي ،وردت في: http:// w w w .sis.gov.eg/Ar/LastPage.aspx?Category_ID=1736 |
فعاليات للتضامن مع الأسرى المضربين
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)