الاثنين، 10 أكتوبر 2011

ثلاثة محاور لانتصار الثورة السورية




منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس/آذار الماضي لم تصل إلى تحقيق موقع إستراتيجي متقدم من إمكانية تحقيق الانتصار كما هي في الأسابيع الأخيرة وبالضبط من أواخر رمضان وليالي العيد التي كانت قُدّاسا لرسالة صناعة الثورات عبر مداد الدماء وتضحيات الثوّار وذلك في مشهدها المُذهل لعقيدة الفداء وصولا إلى إعلان المجلس الوطن الانتقالي.
 
وقبله نقل تحرك الضباط المنشقين إلى مرحلة تأسيس فعلي لجيش مركزي بمعارك واقعية نفذها لحماية المدنيين عبر جسمه المستقل عن الثورة السلمية, وهو ما جعل من إعلان قيام الجيش السوري الحر أحد محاور القضية السورية الرئيسية في أنظار العالم.
 
ويؤكد الزحف الإستراتيجي الذي تحققه الثورة السورية فعليا على الأرض ميدانيا ولوجستيا وسياسيا, وهو ما لم يبرز لدى البعض بحكم وحشية القمع الذي مارسه النظام في دمشق وتغطية طهران له, لكنه في القراءة التحليلية الاعتبارية حراك منتظم في تقدمه وقربه من النصر.
وسنعرض هنا لهذه المحاور الثلاثة التي تكاملت في الثورة السورية ودورها المستقبلي في تحقيق التكامل المطلوب لوصول الثورة السورية مرحلة التحرير وإقامة نظام بديل في دمشق ينتمي للشعب العربي فيها.

"
الإعلان الجديد عن تشكيل المجلس الوطني السوري ومبادئه وهيكله كان من أقوى نسب التحقيق المتوقعة للمجلس ولحراكه المستقبلي
"
المحور الأول: المجلس الوطني السوري
برغم الصعوبات والإخفاقات الكثيرة التي واجهتها مسيرة المعارضة السورية في الخارج وحجم التباين الذي برز بينها وبين قوة دفع الداخل إلا أنّ الحصيلة الأخيرة في الإعلان الجديد لتشكيل المجلس الوطني السوري ومبادئه وهيكله كان من أقوى نسب التحقيق المتوقعة للمجلس ولحراكه المستقبلي وذلك يبرز بوضوح في العناصر التالية:
 
1- كان أبرز رسالة وأقواها وأكثرها على الإطلاق في التأثير هو ذلك الإعلان الشعبي الشامل في الداخل الذي عبّرت عنه المظاهرات الليلية مساء إعلان المجلس الوطني تشكيله وخطته الجديدة, فهذه المباركة الشعبية للمظاهرات في العديد من المدن وبرامج الحراك أعطت قوة زخم كبيرة للمجلس الوطني السوري .
 
2- قوة تمثيل هيئات الثورة السورية في الداخل: اتحاد التنسيقيات والمجلس الأعلى للثورة والهيئة العامة للثوار وجماعات أخرى أُعلن عن مشاركتها وأعلنت هي من الداخل ذلك ودعمها للمجلس الوطني.
 
3- توحّد مساري الدوحة وإسطنبول وتحوّل مسار الدوحة إلى داعم للتشكيل من خلال تصريحات قيادات فيه ودعوة د. عزمي بشارة -إحدى الشخصيات المهتمة بحوار الدوحة- المترددين من الحركة العلمانية الفكرية المؤيدة للثورة والمتحفظة على التشكيل إلى المشاركة بالمجلس وتأكيد د. عزمي بشارة على أنّ مؤتمر الدوحة ساهم إيجابيا في تهيئة الأجواء لإعلان إسطنبول وهو ما عزز الرسالة الإيجابية لمستقبل المجلس وكان إعلان مانديلا العرب المناضل السوري المعروف رياض الترك تأييده للمجلس رسالة إضافية أخرى لحجم الوحدة الوطنية القوية للمجلس.

4- وجود تمثيل نوعي مقبول للإسلاميين والليبراليين والقوميين وغيرهم وكذلك المسيحيين والطوائف ومشاركة كردية مع امتناع بعض كتلها, وكان تأكيد د. برهان غليون والقيادة الإدارية للمجلس على أنّ المجلس ليس مُغلقاً وأن حلقات الحوار مستمرة مع الأطراف المتحفظة كافيا لإعطاء بعد جيد لعلاقات المجلس مع بعض الأطراف المترددة.

5- وضوح بيان المجلس وخطوط عمله وتنظيمه للتصور الجديد لبرنامج العمل التنفيذي للمرحلة القادمة التي من الطبيعي سترتكز على الضغط على الخارج للقيام بواجباته ومسؤولياته تجاه محرقة سوريا, وكانت بارزة لغة الفصل بين رفض التدخل العسكري الأجنبي وبين مسؤولية الحماية الدولية للشعب السوري من خلال مراقبين مدنيين وسلة قرارات للعقوبات وتحييد القمع العسكري كمدخل مهم لتحديد مسار حراك المجلس للضغط على النظام وفق تصور واضح.
 
هذه الخلاصة المركزية عن تشكّل المجلس فتحت الباب بصورة كبيرة لتمثيله الدولي وحصار النظام, وليس بالضرورة أن يكون التمثيل كبديل حالياً عن النظام لكنه سيأخذ مداه عربيا وتركيا ودوليا ويقطع الأعذار التي يعلنها البعض كمانع له من الدعم والتواصل لعدم وجود محور توافقي للثورة السورية في الخارج وهو ما تحقق الآن وسيأخذ مداه ليس بالضرورة الفورية المتوقعة من البعض لكن في حيوية أكبر بكثير من الوضعية السابقة.
 
"
التكامل الجديد في صفوف الجيش الوطني السوري الحر جاء متزامنا مع استكمال الإعلان الميثاقي للمجلس الوطني ليكون بالفعل أحد المحاور الرئيسية لخطة انتصار الثورة

"
المحور الثاني: الجيش السوري الحر
من المهم جدا في تحديد هذا المحور كعنصر رئيسي في استشراف انتصار الثورة السورية ملاحظة الآتي:

1- تواتر وتكثّف حركة الانشقاق وتحولها إلى زحف مستمر للخروج من جيش يمثل النظام ويُشرّع عبادته والسجود لرمزه ويتلذذ بقتل شعبه في الوقت الذي يعتمد فيه حماية أمن إسرائيل ومصالح إيران في حين يقابله جيش وطني ابتدأ أول خطوات تاريخه التأسيسية بتقديم جماعات من مجنديه وضباطه كشهداء لحماية المدنيين وتخليص الفتيات بعد تعرض بعضهن للاغتصاب وتأمين فك الحصار عن الأحياء والمدنيين بل وحماية بعض التظاهرات المدنية للحرية, وهي رمزية تأسيس ذات بعد مؤثر لدى الشعب السوري بعد أن واجه تشكيلات عسكرية موالية للنظام تهدم بيته وتنتهك عرضه وتقتل طفله.
 
2- هذه الصورة المشرقة لشخصية جندي وضابط الجيش السوري الحر ساهمت وستساهم أكثر في حركة الانضمام المستقبلية من قطاعات النظام العسكرية إلى التشكيل الذي أخذ وضعه الآن كجيش وطني سوري يجعل ميثاقه الدستوري الحفاظ على إنسان الوطن والحفاظ على حدوده في مقابل العسكري الآخر الذي أمّن حدود العدو وذبح مواطنه في الداخل.
 
3- وهذا الارتفاع السريع في عدد الجيش الوطني الحر والمتزايد أضحى يؤهله للقيام بالخطة رقم (2) بعد المساهمة في تأمين ما استطاع إليه سبيلا من أرواح المدنيين وممتلكاتهم, وهي تأمين تموضعه في الحدود التركية وتوزيع فيالقه للاستعداد للخطة الإستراتيجية التي تقتضي تأمين الدعم للثورة المدنية في ساعة الحسم المركزي ومقدمات انتقال السلطة إلى الخيار الشعبي الحر.
 
إذا هذا التكامل الجديد في صفوف الجيش الوطني السوري الحر جاء متزامنا مع استكمال الإعلان الميثاقي للمجلس الوطني ليكون بالفعل أحد المحاور الرئيسية لخطة انتصار الثورة.

المحور الثالث: الطليعة الفدائية الصلبة
بات واضحاً لكل مراقب أن كل مدارات الاحتواء الضخمة للنظام والدعم الإيراني وحزبه في لبنان والموقف الروسي والصيني وبعض الأطراف الخليجية قد سقطت في كل جولاتها السابقة عبر قوة الإرادة الشعبية ذات الإيمان الروحي الصلب وحركة الفداء الاستشهادي لكل شرائح الشعب التي أضحت تغذي كل يوم بغدٍ أكبر إصراراً مما قبله, كُلما توسع النظام في جرائمه.
 
ولقد كان تزامن ذكرى استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة مع مذبحة الرستن السورية وتنفيذ الجهاز العسكري للنظام عملية إعدام لأكثر من 15 طفلا من أطفالها لوحة تعطي بعدين مزدوجين مهمين الأول:
 
أنّ حجم الإجرام الذي يبلغ هذا المدى لا يمكن أن يستقر مع شعبه والبعد الثاني أنّ هزيمة النظام بعد وحشية مجزرة الرستن وخروج درعا البلد وحماة تضامناً معها تؤكد أنّ الوضع الأسطوري الفدائي للشعب السوري أضحى إكسير حياة لا يملك أحد أن يوقفه وهو تحت الرعاية السماوية ويزحف فقط وبلا تردد أو تململ لتحقيق إسقاط النظام.
 
"
الوضع الأسطوري الفدائي للشعب السوري أضحى إكسير حياة لا يملك أحد أن يوقفه وهو تحت الرعاية السماوية ويزحف فقط وبلا تردد أو تململ لتحقيق إسقاط النظام
"
هنا تبرز دلالات عنواننا الرئيسي للمقالة وهي أن هذا المحور الشعبي الذي تحمّل وحيدا منعزلا مسؤولية زلزلة النظام أضحى له محورين مساندين ينتظر العالم ويرجّح المراقب أنّ الجانب التركي والعربي والدولي سيتعاطون مع الثورة عبره ببعد جديد بعد أن تبين لهم أنّ حركة التاريخ لن تعود ولن يؤجّل قرار الشعب السوري في إسقاط النظام وبالتالي سيتعامل المشهد مع هذا التقدم الجديد مختاراً ومضطراً.
 
وهنا تقفز مسؤولية تاريخية على نخب وقواعد الرأي العام العربي بأن تتحول إلى قوى ضغط على حكوماتها للاعتراف والدعم لهذه المحاور الثلاثة أو أحدها, وتركيز الجهد الشعبي العربي على تركيا لفتح كامل الحدود للدعم اللوجستي الشامل, وهو المطلب الرئيسي لهذه المرحلة وهو السؤال الذي عليهم أن يجيبوا عليه قبل سؤالهم المستمر للثوّار عن خطتهم. ما خطتكم أنتم أيها العرب رسمياً وشعبيا لدعم خطة الانتصار النهائي لإنقاذ الشام؟